السعي في الحياة 

By Dr Wesam Almahallawi

 

تتطلب الحياة من الإنسان أن يجتهد في السعي حتى يحقق ما يطمح إليه، ولكن دعونا نتوقف عند هذه النقطة لنرى ما هي طموحات الناس في هذه الحياة وما هي آمالهم وهل هي مرتبطة في معظم الأحوال بمشاعر الخير أم أنها مرتبطة أكثر بمشاعر الشر، وفي كلتا الحالتين كيف يسعى الإنسان لإيجاد مبررات ذاتية لنفسه فيما يفعل ويقول حتى يصل إلى مرحلة من التصالح الذاتي ليستطيع الاستمرار في الحياة بالشكل الذي أراده لنفسه بعد أن خفف من الألم الذي من الممكن أن يتولد لديه من مراجعات الضمير المستمرة أو صحواته بين الفينة والأخرى، فالمراجعات الذاتية التي يقوم بها الانسان مع نفسه تعتبر من أكثر المؤثرات التي قد تؤدي إلي تحولات حقيقية و جذرية في السلوك وهي تحولات اختيارية يقوم بها الانسان بعد الاقتناع الكامل بضرورة وأهمية إحداث هذا التحول في حياته.

 

تتفاوت الأهداف والطموحات التي يسعى الناس إلى تحقيقها فمنهم من يربطها بالدين فيجعل منه محور حياته معتبرا أن هذه الحياة التي يحياها ما هي إلا مرحلة قصيرة عليه أن يجتهد فيها قدر المستطاع ليكون مخلصا لهذا الإيمان الذي يمتثل إليه وتختلف العقائد وتتفاوت بين الأقوام وهذا الاختلاف مستمر رغم تعاقب الدهور والتقدم الحاصل في العلوم والمعارف المختلفة، إلا أننا نجد أن تعامل الناس مع مفهوم الإيمان والعقائد هو تعامل مختلف فنجد أنه ما زال حتى هذا اليوم من يعبد الأصنام والحيوانات وغيرها من الكائنات، كما أنهم يوجدون لأنفسهم مجالاتهم الخاصة لتعميق هذا الإيمان من خلال ربطه ببعض الحقائق العلمية القائمة والمستجدات التي ميزت العصر الذي نعيش فيه بل يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك من معاداة حقيقة لأصحاب الديانات الأخرى، وأذكر مثالا على ذلك ففي أحد الحوارات التي أجريتها مع امرأة كبيرة في السن في معبد لإحدى الطوائف التي تعبد مجموعة من الآلهة وبعد عدد من الأسئلة كان هناك أحد الأصنام وهو عبارة عن مجسم نصفه ذكر ونصفه أنثى فسألتها ما دلالة هذا الشكل فردت بكل ثقة أن هذا الشكل فيه دلالة قوية على صحة ما نعتقد وأنني مؤمنة بشكل قوي بما اعتقد وأقول – ولا أعرف لماذا شددت في إجابتها بهذا الشكل على جزئية إيمانها بمعتقدها، ربما لأنها ووجهت سابقا بمن شكك في ما تؤمن به – وأشارت إلى أن علم الجينات الحديث أثبت أن الرجل يحمل بعض الجينات الأنثوية وأن المرأة كذلك تحمل بعض الجينات الذكورية وأن آلهتهم تعرف هذا الأمر منذ القدم وقبل اختراع العلوم لذلك جاء هذا التجسيد في هذا الشكل من وجهة نظرها، وبغض النظر عن ما قالته من أسباب تجسيد هذا الصنم على هذا الشكل إلا أن الشاهد في الموضوع هو أن موضوع الإيمان والمعتقدات هو موضوع حساس للغاية يصعب التعامل معه إلا عن دراية ومعرفة تامة لمن أراد أن يدعوا إلى الله ليكون سببا في هداية الناس.

 

ومن الناس من يجعل المال هو محور حياته فيجتهد في جمعه ويبذل الجهد والطاقة في سبيل تحقيق الثروة وتسرقه الأيام والساعات وهو في هذا الطريق حتى ينقضي الأجل ولا يبقى في العمر إلا القليل إن بقي ليستمتع بما جمع، وفي خضم رحلته الشاقة والطويلة قد يقوده شغفه إلى معاداة الناس والتغول على حقوقهم حيث يستحوذ عليه حب السيطرة والتملك، فيسعي بلا توقف إلى ضم كل ما أمكن بالطرق المشروعة وغير المشروعة ويكنز الثروات، ويبرر لنفسه ما يقوم به من أفعال ويخلق بطانة من حوله تمدحه وتهون عليه ما شق، وتوجد له من المبررات الكثير حتى يشعر بشيء من الرضى الذي يريحه ويدفعه إلى الاستمرار فيما يفعل.

 

أما بلاء السلطة فهو بلاء عظيم فإذا استعرضنا التاريخ فسنجد أن الغالب فيمن تقلدوا زمام الناس قد شطح وابتعد عن العدل والحق، ومنهم من على وتجبر في الأرض كفرعون الذي قال الله سبحانه وتعالى فيه ” إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ” وقد تمادى فرعون في غيه إلى أبعد مدى من المكن أن يصله إنسان فادعى الألوهية، ورغم هذا الفعل المستهجن إلا أنه وجد من يعينه عليه ويتبعه فيه كما قال تعالى في حقه وقومه “فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ”، فوجد من يبرر له أفعاله ويمدحه في ظلمه ويحول الجرائم والمصائب التي قام بها إلى إنجازات وإبداعات يستحق عليها التقدير والثناء، بل ذهبوا إلي ما هو أبعد من ذلك من معاداة حقيقية للذين خالفوهم المعتقد فأرهبوهم واستباحوهم ووصفوهم بأبشع التهم والنقائص.

 

وخلاصة ما سبق أنه من المهم للإنسان أن يحدد مساره وأهدافه في الحياة، وهذا الأمر ليس كاف وحده فكثير من الناس من كانت نياتهم طيبة إلا أن الأليات والوسائل التي اتبعوها لتحقيق هذه الأهداف قادتهم في نهاية المطاف إلى طرق مختلفة ابتعدت بهم كثيرا عن طريق الحق، فتحديد الوسيلة والطريق الذي سيسلكه الإنسان أمر مهم كما تحديد الهدف، ويأتي بعد ذلك مراقبة الطريق والتقييم الذاتي والمستمر حتى يتأكد له أنه ما زال على الطريق الصحيح، وأن يحرص على أن يحيط نفسه بالصادقين والثقات الذين من الممكن أن يقوموه ويوجهوه ويعينوه على الاستمرار في طريقه حتى يحين الأجل، وقد يعتقد البعض أن من يحتاج إلي مثل هذه الأمور هم الحكام أو علية القوم، ولكن في الحقيقة جميعنا بحاجة إلى أن نراقب طريقنا حتى نصل بحرص إلي بر الأمان.

 

Dr Wesam Almahallawi is a senior lecturer at the Communication Programme, Faculty of Leadership and Management, Universiti Sains Islam Malaysia