أزمة كورونا فرصة لمراجعة خطاب الكراهية في إعلامنا الإسلامي

Dr. Ihab Ahmed Awais

ونحن نعيش في حالة الخوف والترقب اليومي بسبب انتشار فيروس كورونا في مختلف دول العالم، يلفت نظري بعض الرسائل والتغطيات الاعلامية التي يفيض منها موجة عالية من التعصب والكراهية، تجاه الأعراق والأديان والطوائف الأخرى، ومما يثير الأسف – والقلق – أن هذه الشواهد باتت مألوفة إلى حد بعيد ويخصص لها كامل المساحة والحرية بما تحويها من ترويج للفوضى والأحقاد والصور النمطية والقدح والذم والعنصرية والقبلية والطائفية، وهي التي قادت في كثير من الحالات ردود أفعال وصل بعضها حدّ الإيذاء.

ويعتبر خطاب الكراهية هجوماً على التسامح والإدماج والتنوع، والعيش المشترك ومعول هدم يضرب في صميم القواعد والمبادئ التي يرتكز عليها المجتمعات البشرية. وبشكل أعم، فإنه يقوّض التماسكَ الاجتماعي وينال من القِيَم المشتركة، ويمكن أن يكون نقطة الارتكاز التي ينطلق منها العنف، مما ينعكس سلباً على الاستقرار والتنمية المستدامة والكرامة الإنسانية.

اصطلاحياً، يمكن القول ان خطاب الكراهية  مصطلح حقوقي فضفاض يمكن أن يُعرف بكونه أي “عبارات تؤيد التحريض على الضرر (خاصة التمييز أو العدوانية أو العنف) حسب الهدف الذي تم استهدافه وسط مجموعة اجتماعية أو سُكانية، ويندرج خطاب الكراهية في مركبات “حرية التعبير وحقوق الأفراد والجماعات والأقليات ومبادىء الكرامة والحرية والمساواة”.

ويعزى تشكّل الحاضنة الاجتماعية والشعبية العريضة لهذا الخطاب في غياب العدالة الاجتماعية والشفافية والتنمية الاقتصادية وقمع الحرية الفردية وتهميشها، مما يدفع بالفئات الأقل حظاً في المجتمع للبحث عن ملاذاً للتنفيس عن مشاكلها وأحقادها، وليس من مكان أفضى من منصات الإعلام الاجتماعي.

ومن هذا المنطلق فقد أشارت مجموعة من الدراسات الى الأسباب الكامنة وراء انتشار خطاب الكراهية في وسائل إعلامنا منها دراسة نصر الدين لعياضي الذي ضبطها في خمسة عوامل وهي: حجة السلطة، الخلط بين التاريخ والذاكرة الجماعية، وإسقاط الديني على السياسي، وانزياح العصبية المذهبية الى عصبية قومية، والتضليل بدل المحاججة.

في حين أشار الباحث احمد فازع إلى أن أحد أسبابها يعود إلى التغطية غير المتوازنة للأحداث، ومحاولة بناء منظومة من الأفكار بلغة دعائية مجحفة وإدخال مفاهيم غربية على المجتمع العربي الإسلامي.

كما ويشير علي وطفة الى أن أحد أسبابها هو انعدام الشراكة بين الوسيلة والجمهور وشيوع روح التجاوز والمواجهات الصدامية في الحوارات حول موضوعات حساسة للجمهور. فيما تشير سهام الشجيري إلى خلو الرسائل الإعلامية من الضبط اللساني والتقني، فتمارس دوراً في الفعل التحريضي الذي يولد مزيداً من الكراهية والتحامل على الآخر.

وتحريراً للنصوص فقد ذكر الباحث محمد المالكي، ان المصدر الأساسي للعنف وشيوع خطاب الكراهية في تاريخ البشرية كان محاولة التسلط، والتي جاءت في أشكال مختلفة ومظاهر مُتعدِّدة سواء تسلُّط الفرد على الآخر أو استجابة لانفعالاته من الغضب أو الخوف وحتى لمجرَّد المتعة، يأتي هذا كله في ظل غياب القوانين الرادعة التي تتقن التعامل مع هذه الظاهرة.

إن فكرة نبذ العنف وخطاب الكراهية فكرة قابلة للتحقيق على الرغم من ظروفنا المعاصرة بكل جوانبها المعقدة، فهي تتطلب أن يرتفع الانسان فوق نزواته ومصالحه ومنافعه وأهدافه المادية، وفقاً للنظام والقانون لأنه الضمان الوحيد لحياة سليمة يسمح فيها بالتنافس على أساس الاحترام المتبادل بين الناس.

وكما تشير كثير من الأدبيات فليس هناك من سبيل لوقف خطاب الكراهية في اعلامنا الإسلامي، إلا بتفكيك هذا الخطاب ومحاولة مراجعة وتحليل مضامينه ومدى ارتباطه بمصالح الفئات التي أنتجته والعمل الجاد في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وحقوق المواطنة والحرية الفردية تحت مظلة القانون الكافل لجميع الحقوق.

فكما تكشف التجربة التاريخية أن القانون المنبثق عن أخلاقيات الدين الإسلامي ومفاهيمه هو النواة الأعمق لوحدة المجتمع والدولة، وأن الدول التي انهارت، هي إما دول غاب عنها القانون، أو غُيِّب، وإما دول فقدت وحدة القانون. ولما كان القانون روح الشعب فإنه قوام الدولة وجوهرها وماهيتها، بفقدانه تكف الدولة عن كونها دولة وتتحوَّل إلى مجرَّد سلطة طاغية غريبة عن الشعب ومعادية له.

لذا فقد أمسى ضروريًّا في مثل هذه الشروط مجتمعة، أن تتَّجه كل الجهود والإرادات إلى بلورة رؤية سياسية وثقافية مستقبلية متكاملة للرسالة الإعلامية الإسلامية، وذلك بحثاً عن أنسب الشروط والمقومات المواتية لتعزيز تماسك هذه الأمة ونهضتها، على أن تستثمر كل العناصر الإيجابية المشرقة خاصة ما يعزز قيم وأخلاقيات وممارسات التعاون والتسامح، والإيمان العميق والثابت بالاحترام المتبادل وتقبُّل الآخر وإنضاج مبادئ الانفتاح والحوار الندي الإيجابي كما تؤكد على ذلك قيم ثقافتنا العربية والإسلامية.

المصادر

أحمد فازع، أزمة الخطاب الديني. 2001. الرياض، سلسة دراسات (6) مركز الملك فيصل للبحوث والنشر.    i

د. سهام الشجيري. 2017. انتشار خطاب التحريض والكراهية في وسائل الاعلام، مجلة الباحث الإعلامي، عدد خاص بوقائع الندوة العلمية (الاتصال والسلم الأهلي).  ii

علي أسعد وطفة. 2014. أزمة الخطاب الإتصالي في القنوات الفضائية، موقع إسلام أون لاين. iii

نصر الدين لعياضي. 2015. الخطاب الطائفي في الفضائيات العربية – كلفة الخلاف و تداعياته، الجزيرة، المركز الإعلامي. iv

محمد مالكي. 1990. العنف في العلاقات الدولية: قراءة في تاريخ المفهوم ودلالاته المعاصرة، مجلة الوحدة، السنة الثامنة، الرباط: المجلس القومي للثقافة العربية، العدد 67.  v

Dr Ihab Ahmed Awais is a Senior Lecturer at the Communication Programme, Faculty of Leadership and Management,
Universiti Sains Islam Malaysia (USIM)