(الإشاعة وخطرها في زمن الأزمات (فيروس كورونا مثال 

Dr Wesam Almahallawi

تعتبر الإشاعة من الأسلحة المؤثرة على صعيد الأمم والأفراد، فهي أداة قوية للنيل من العزائم والقدرات، وكذلك تساهم بشكل فعال في نشر البلبلة والأفكار المغلوطة حول قضية معينة أو أكثر، ويزداد أثر الإشاعة ويتعاظم في زمن الأزمات.

قديما كانت الإشاعة تحتاج إلى شخص ثرثار لينشر الشائعة في مجتمع معين ومن ثم تتناقل الألسن هذه المعلومة حتى تؤتي ثمارها المطلوبة وتصل إلى أكبر عدد من الناس لتحقق أهدافا كثيرة يأتي في مقدمتها زعزعة الاستقرار في المجتمعات. وقد استخدم المشركون الإشاعة في بادئ الأمر ليصدوا عن سبيل الله سبحانه وتعالى وليحدوا من انتشار الدعوة الإسلامية، فقد اتهموا النبي صلى الله عليه ظلما بالجنون وكانوا يقابلون من أتى من قبائل العرب المختلفة للحج في مكة ويحذرونهم من النبي صلى الله عليه وسلم وقد قالوا عنه ساحر وغيرها من التهم التي حاولوا إلصاقها بالنبي إلا أن الله سبحانه وتعالى وبرغم كل افتراءاتهم أيده وأظهره عليهم. ولقد روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري، وفيه: فقلت لأنيس: «ما يقول الناس؟ قال: يقولون شاعر كاهن ساحر. وكان أنيس أحد الشعراء. قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد بعدى أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون». هذه رواية لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه يوضح فيها كيف حاربت قريش النبي صلى الله عليه وسلم بالشائعات ليصدوا الناس عنه إلا أن سعيهم لم يفلح لأن الحق أقوى وأظهر من شائعاتهم.

كما أن كفار قريش استخدموا الإشاعة من أجل إضعاف قوة الجيش المسلم وخير مثال على ذلك ما أشاعوه عن مقتل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد فأصيب عدد من المسلمين بالإحباط وتوقفوا عن القتال حتى جاء إليهم أنس بن النضر فقال ما أجلسكم، قالوا: قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قُتل. رحم الله هذا الصحابي الجليل الذي عرف خطر الإشاعة فلم يستسلم لها وإنما استنهض المسلمين ليقوموا بدورهم في الذود عن حياض دينهم حتى وإن كان الثمن حياته التي دفعها رغبة في الأجر من الله سبحانه وتعالى.

واستمرت الأيام وتعاظم خطر الإشاعة مع التقدم التكنولوجي الهائل في مناحي الحياة المختلفة، ومع ثورة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت العالم قرية صغيرة بالإمكان الولوج والوصول إلى تفاصيلها المختلفة وأنت تجلس في بيتك أو أي مكان آخر وفي يدك هاتف نقال أو أي جهاز آخر مما قدمته هذه الطفرة التكنولوجية الهائلة للبشرية. كل ذلك ساهم في سهولة وسرعة انتشار الإشاعة لتصل إلى عدد أكبر من الناس ومدى أبعد من السابق في وقت أقصر بكثير مما كان عليه فيما مضى، فهذه الثورة التكنولوجية كما سهلت الكثير من سبل الحياة إلا أنها ساهمت أيضا في سرعة انتشار الإشاعات، بل إن هناك دول بأكملها تعمل على تعزيز هذا الأمر وتعمد إلى محاربة دول أخرى بهذا السلاح الفتاك. حقيقة إن لم نتنبه إلى هذا الأمر وإن لم تكن هناك توعية حقيقية في التعامل مع الشائعات والتثبت من المعلومات التي يتم تناقلها عبر المواقع والشبكات المختلفة فإن الضرر الناتج عنها سيكون وخيما على صعيد الفرد والمجتمع ككل. ولا يخفى على أحد حجم الشائعات التي يتم تداولها في الفترة الحالية والمتعلقة بفيروس كورونا المستجد وكيف أن هذه الشائعات تساهم بشكل سلبي في نشر الخوف والذعر في أوساط المواطنين فينعكس ذلك بالسلب على مناحي الحياة المختلفة كالتسوق مثلا والخوف الزائد عن الحد، في الوقت الذي من المهم فيه أن يقوي الإنسان صلته بربه وأن يسلم أمره لله مع الأخذ بالأسباب لعل الله سبحانه وتعالى أن يفرج عنا ما نحن فيه.

وأخيرا لقد جاء المنهج القرآني واضحا في التعامل مع الشائعات فقال الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات الآية السادسة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، فقد أرسى الله سبحانه وتعالى قاعدة واضحة في هذا الإطار وهي التبين والتثبت من أي خبر قبل أن يبني الإنسان فعلا على هذا الخبر حتى لا يقع في الخطأ الذي يؤدي إلى الندم في نهاية المطاف.

Dr Wesam Almahallawi is a Senior Lecturer at the Communication Programme,
Faculty of Leadership and Management, Universiti Sains Islam Malaysia (USIM).